![]() |
ما هي الإرادة ؟ |
الإرادة موضوعة في اللغة لتعيين ما فيه غرض، وهي في الأصل طلب الشيء، أو شوق الفاعل إلى الفعل، إذا فعله كف الشوق، وحصل المراد (ابن رشد، تهافت التهافت ص 4).
1 ـ ويشترط في هذا الشوق إلى الفعل أن يشعر الفاعل بالغرض الذي يريد بلوغه، وأن يتوقف عن النزوع إليه مؤقتا، وأن يتصور الأسباب الداعية إليه، والأسباب الصادة عنه، وأن يدرك قيمة هذه الأسباب، ويعتمد عليها في عزمه، وأن ينفذ الفعل في النهاية أو يكف عنه.
2 ـ فالإرادة بهذا المعنى العام هي صورة الفاعلية الشخصية.
3 ـ الإرادة هي نزوع النفس وميلها إلى الفعل، بحيث يحملها عليه.
4 ـ وهي قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل، ثم جعلت اسما لنزوع النفس إلى شيء مع الحكم فيه أنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل.
5 ـ والنزوع الاشتياق، والميل المحبة والقصد (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، مادة الإرادة).
6 ـ فإذا قلنا : هذا الرجل قوي الإرادة، دلت الإرادة على اتصاف صاحبها بنزوع واع متمكن من نفسه، وهو نزوع يدفعه إلى الفعل بالرغم من مقاومة النزعات الأخرى.
7 ـ فالإرادة بهذا المعنة صفة من صفات السجية. وهي تدل بالجملة على نزعة نهائية مستقرة، أو ميل قوي يحمل صاحبه على الفعل، ولا يشترط في هذا الميل أن يكون عقيب اعتقاد النفع، كما ذهب إليه المعتزلة، بل مجرد أن يكون حاملا على الفعل بحيث يستلزمه ويجامعه، وإن تقدم عليه بالذات.
8 ـ الإرادة هي القوة التي هي مبدأ النزوع، وتكون قبل الفعل.
9 ـ الإرادة هي اعتقاد النفع أو ظنه، وقيل ميل يتبع ذلك، فإذا اعتقدنا أن الفعل الفلاني فيه جلب نفع، أو دفع ضرر، وجدنا من أنفسنا ميلا إليه (المواقف للإيجي وشرحها للجرجاني جزء2 ص 215).
10 ـ والقائل بذلك كثير من المعتزلة، وقالوا : إن نسبة القدرة إلى طرفي الفعل على السوية، فإذا حصل اعتقاد النفع، أو ظنه، في أحد طرفيه، ترجح على الآخر عند القادر، وأثرت فيه قدرته.
11 ـ والإرادة صفة توجب للحي حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه (تعريفات الجرجاني).
12 ـ حتى لقد قال الأشاعرة : إنها صفة مخصصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع في وقت معين، وليست مشروطة باعتقاد النفع أو بميل يتبعه، فإن الهارب من السبع، إذا ظهر له طريقان متساويان في الإفضاء إلى النجاة، فإنه يختار أحدهما بإرادته، ولا يتوقف في ذلك الاختيار على ترجيح أحدهما لنفع يعتقده، ولا على ميل يتبعه (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، مادة الإرادة).
13 ـ والإرادة في علم الأخلاق هي الاستعداد الخلقي، وهو إما أن يكون عاما، وإما أن يكون خاصا.
14 ـ فالإرادة الصالحة هي العزم الصادق على فعل الخير، أو هي استعداد الشخص للقيام بالفعل على قدر طاقته.
15 ـ والإرادة السيئة هي الإرادة المتوجهة إلى الشر، أو هي على الأخص صفة رجل يحاول التملص من واجباته، فلا يقوم بها إلا إذا كان مجبرا عليها.
16 ـ ومن الاصطلاحات المألوفة عند فلاسفة القرن الثامن عشر الإرادة العامة وهي صفة رجل يدرك، عند تجرده من الأهواء، ما يستطيع أن يطلبه من أبناء جنسه، وما يحق لأبناء جنسه أن يطلبوه منه.
17 ـ قال ديدرو: الإرادة الجزئية ظنون، والإرادة العامة صالحة. ولكن قد تقول لي : أين مقر هذه الإرادة العامة، أين يمكنني أن أستشيرها ؟ الجواب عن ذلك : أن هذه الإرادة العامة موجودة في مبادئ الحق المدونة عند جميع الأمم المتمدنة، وفي الأعمال الاجتماعية للبربر والمتوحشين، وفي اتفاق أعداء الجنس البشري على بعض الأمور اتفاقا ضمنيا، وفي السخط والألم اللذين وهبتهما الطبيعة للحيوان، ليقوما عنده مقام القوانين الاجتماعية والانتقام العام.
18 ـ وقال روسو : هنالك في الأغلب فرق بين الإرادة العامة وإرادة الجميع، فالأولى لا تهتم إلا بالمصلحة المشتركة، أما الثانية فتهتم بالمصلحة الخاصة، لأنها ليست سوى مجموع من الإرادات الجزئية.
19 ـ إن هذه الإرادة العامة هي الأساس الشرعي لكل سيادة. ويشترط في شرعيتها : أن تختص بالمصلحة العامة، وأن تؤيدها أكثرية المواطنين بعد استشارتهم جميعا. وأن لا تتخذ قراراتخا لمصلحة شخص دون آخر.
20 ـ إن كل فعل من أفعال السيادة، أعني كل فعل شرعي من أفعال الإرادة العامة، يجبر جميع المواطنين، أو يرعى حقوقهم على قدم المساواة، فلا يرعى الحاكم إلا الصالح العام، ولا يرجح مصلحة فردية على أخرى.
21 ـ إن الإرادة الجزئية تميل بطبيعتها إلى الترجيح، أما الإرادة العامة فلا تميل إلا إلى المساواة.
22 ـ ومن اصطلاحات علماء الاجتماع الإرادة المشتركة، أو الإرادة الجمعية وهي إرادة المجتمع من حيث هو كل واحد.
23 ـ ومن اصطلاحات (ويليم جيمس) إرادة الاعتقاد وهي التسليم باعتقادات لا يستطيع العقل أن يبرهن على صدقها، ولكنه يقبلها مع ذلك لعدم تناقضها، وللمنافع العملية التي تنشأ عنها. من هذه الاعتقادات الثقة بالنفس، فهي نافعة في الحياة، لأنها تزيد قوة الإنسان وتعينه على النجاح في أعماله.
24 ـ والإرادة عند بعضهم هي الفاعلية الدائمة المتجهة إلى جهة معينة، وإن كانت لا شعورية، أو هي النزعة الأساسية لكائن واحد أو لجميع الكائنات، كإرادة الحياة، أو إرادة القوة، أو إرادة الشعور.
25 ـ أما إرادة الحياة فهي عند (شوبنهاور) المبدأ الكلي للجهد الغريزي الذي يحقق به كل كائن مثال نوعه، ويناضل ضد الكائنات الأخرى لاستبقاء صورة الحياة الخاصة به.
26 ـ وأما إرادة القوة فهي في نظر (نيتشه) مضادة لمعنى الحياة عند (سبنسر)، ولنزوع الموجود إلى الثبات في الوجود عند (اسبينوزا)، ولإرادة الحياة عند (شوبنهاور). وهي مبدأ للوح قيم جديدة، إلا أن الضعفاء يعوقونها عن بلوغ غايتها بتألبهم عليها، وبتمسكهم بالقيم الخلقية المألوفة.
27 ـ وأما إرادة الشعور فهي عند (فويه) نزعة أساسية تؤثر في حياة الإنسان العقلية والشعورية، كما تؤثر في تطور الكائنات الحية. إن أول مظهر لهذه النزعة الأساسية ميل الكائن الحي إلى إرجاع كل شيء إلى ذاته، وشعوره بأنه مركز الجاذبية، وأن جميع الموجودات الأخرى وسائط يعتمد عليها في فعله وزيادة قوته ووعيه.
28 ـ ولكن هذا النزوع الأناني لا يخلو من الغيرية لأنه يستلزم التفكير في الآخرين، كما يقتضي الشعور بذوات أخرى يثبت الإنسان نفسه أمامها.
29 ـ وفرقوا بين الاختيار والإرادة فقالوا : الإرادة نزوع النفس وميلها إلى الفعل، أما الاختيار فهو ميل مع تفضيل، كأن المختار ينظر إلى طرفي المقدور، والمريد لا ينظر إلا إلى الطرف الذي يريده.
30 ـ قال الفارابي : (( إن الإنسان قد يتقدم فيختار الأشياء الممكنة، وتقع إرادته على أشياء غير ممكنة، مثل أن الإنسان يهوى أن لا يموت. والإرادة أعم من الاختيار، فإن كل اختيار إرادة، وليس كل إرادة اختيار)). (الفارابي، رسالة المعلم الثاني في جواب مسائل سئل عنها، ص 98).
31 ـ وأصل الاختيار افتعال من الخير، ولذا قيل : الاختيار ترجيح الشيء وتخصيصه وتقديمه على غيره، وهو أخص من الإرادة والمشيئة.
32 ـ نعم قد يستعمل المتكلمون الاختيار بمعنى الإرادة أيضا حيث يقولون : فاعل بالاختيار وفاعل مختار، ولكن الاختيار لم يرد بمعنى الإرادة في اللغة.
33 ـ وفرقوا أيضا بين الإرادة والشهوة، فقالوا : إن الإنسان قدر يريد شرب دواء كريه، فيشربه، ولا يشتهيه، بل ينفر عنه، وقد يشتهي ما لا يريده، بل يكرهه، ولهذا قالوا إرادة المعاصي مما يؤاخذ عليها، دون شهوتها.
34 ـ وفرقوا أخيرا بين الإرادة والمشيئة فقالوا : الإرادة طلب الشيء، والمشيئة الإيجاد، ولكن المشيئة في الأصل مأخوذة من الشيء وهو اسم للموجود، وكذلك الإرادة فهي تقتضي الوجود لا محالة فلا فرق إذن بين الإرداة والمشيئة إلا بالنسبة إلى الإنسان، لأن إرادة الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة الله، ومشيئته لا تكون إلا بعد مشيئته. أما بالنسبة إلى الله فإن الإرادة والمشيئة بمعنى واحد.
35 ـ والإرادة إذا استعملت في الله دلت على معنى سلبي، وهو أنه تعالى غير مغلوب ولا مستكره، أو على معنى ثبوتي، وهو العلم، أو صفة زائدة على العلم.
36 ـ والفلاسفة الذين يقولون إن إرادة الله ليست صفة زائدة على ذاته، يقررون أن إرادته عين حكمته، وحكمته عين علمه. والإرادة حقيقة واحدة قديمة قائمة بذاته تعالى، إذا لو تعددت إرادة الفاعل المختار لم يكن واحدا من جميع الجهات.
37 ـ وقد قال الحكماء : إن إرادته تعالى هي علمه بجميع الموجودات من الأزل إلى الأبد، وبأنه كيف ينبغي أن يكون نظام الوجود حتى يكون على الوجه الأكمل، وبكيفية صدروه عنه حتى يكون الموجود على وفق المعلوم في أحسن نظام من غير قصد ولا شوق، ويسمون هذا العلم عناية.
38 ـ وهذا كله يدل على أن الإرادة بمعنى الميل أو النزوع أو الشوق لا تستعمل في الله، لأنه تعالى غني عن كل نزوع وميل، فمتى قيل أراد فمعناه حكم أنه كذا وليس بكذا.
39 ـ والإرادة عند المتصوفين هي ابتداء الكد وترك الراحة، حتى لقد قال (الجنيد) : الإرادة أن يعتقد الإنسان الشيء ثم يعزم عليه، ثم يريده ولا تكون إلا بعد صدق النية.
40 ـ وقيل : هي الإقبال بالكلية على الحق والإعراض عن الخلق، وابتداء الحكمة.
41 ـ قال ابن سينا : أول درجات حركات العارفين ما يسمونه هم الإرادة، وهو ما يعتري المستبصر باليقين البرهاني، أو الساكن النفس إلى العقد الإيماني، من الرغبة في اعتلاق العروة الوثقى، فيتحرك سره إلى القدس لينال مروح الاتصال. فما دامت درجته هذه فهو مريد. (ابن سينا ، الإشارات ص 202 ).
42 ـ وإليكم هذا المقطع الصغير لتفسير وبيان حقيقة الإرادة في الفكر الفلسفي :
هذه بعض المعاني الواردة في تعريف مفهوم الإرادة نتمنى أن تكون واضحة للجميع إن شاء الله تعالى.
وفي الختام تدعوكم مدونة (ماكينة الأفكار) إلى نشر الموضوع والتعليق عليه ليستفيد الجميع إن شاء الله تعالى.
وللتواصل بشكل مباشر وسريع يمكنكم الاتصال بالحساب الشخصي على الفايسبوك :
تعليقات
إرسال تعليق