ما هو الأول ؟

ما هو الأول ؟
ما هو الأول ؟

ما هو الأول ؟

الأول هو المتقدم، وهو الذي ليس قبله شيء.

1 ـ وللأول استعمالان: أحدهما أن يكون اسما ينصرف، ومنه قولهم : ما له أول ولا آخر، والثاني أن يكون صفة، أي أفعل تفضيل بمعنى الأسبق، فيعطى له حكم غيره من صيغ أفعل التفضيل من دخول من عليه ومنع الصرف وعدمه.

2 ـ قال الجرجاني في تعريفاته : الأول فرد لا يكون غيره من جنسه سابقا عليه، ولا مقارنا له، فقيد تقدم الأول على غيره بإضافته إلى جنسه، ولذلك قال المحققون : لا يقال الله أول الأشياء، ولا أول كل شيء لأنه لا يوافقها ولا هو مثلها.

3 ـ فإذا استعملنا الأول في حق الله باعتبار ذاته، فإن ذلك يعني أنه تعالى لا تركيب فيه، وأنه منزه عن العلل، وأنه لم يسبقه في الوجود شيء، وأنه لا يحتاج إلى غيره، وهو الأول الأخر ، وتفسير الأول في صفة الله عز وجل أنه الأول ليس قبله شيء، والآخر ليس بعده شيء.

4 ـ ولا إشكال في استعمال الأول في حقه سبحانه لأنه، كما قال الفخر، أول لكل ما سواه، وآخر لكل ما سواه، فيمتنع أن يكون له أول وآخر لامتناع كونه أولا لأول نفسه، وآخرا لأخر نفسه، بل هو أزلي لا أول له، وأبدي لا آخر له، وهو الآخر الذي ترجع إليه جميع الموجودات في سلسلة الترقي وسلوك السالكين (كليات أبي البقاء).

5 ـ الأول هو المتقدم بالزمان وهو يدل على الأقدم في التعاقب الزماني، وعلى المتقدم في ترتيب بعض الجمل، مثال ذلك قولنا : العصر العباسي الأول، وحروف الهجاء الأولى.

6 ـ قال آرسطو : يقال قبل في الزمان وهو ما كان أبعد من الآن من حروب أطروا قبل حروب ميديا لأن حروب أطروا هي أبعد من الآن، يريد أن ما كان قبل في الزمان الماضي هو ما كان أبعد من الآن الحاضر مثل قولنا أن حرب الجمل كانت قبل حرب صفين. (ابن رشد، تفسير ما بعد الطبيعة، الجزء الثاني صفحة 571).

7 ـ الأول هو المتقدم في المرتبة المنطقية وهو كتقدم المبدأ على النتيجة، وتقدم البديهيات على النظريات، ومن الأمثلة الدالة على ذلك المعاني التي لا يحتاج إدراكها إلى معرفة المعاني الأخرى، والقضايا التي لا تستطيع استنتاجها من قضايا أخرى.

8 ـ فهي أولية من الناحية المنطقية لاستغنائها عن غيرها. وللأول من الناحية المنطقية ثلاثة وجوه : الوجه الأول هو النظر إلى الأساس الذي يستند إليه العلم، فباعتبار هذا الأساس يمكننا أن نقول : أن الأول هو الذي لا يستطيع العقل أن يضعه موضع الشك لوضوحه وصدقه وبداهته، ولكونه بهذا الاعتبار يصلح لتعليل غيره من الحدود، ويضمن صدق القضايا الأخرى المستنتجة منه كالمبادئ الأولى أو الأوليات فإن العقل إذا توجه إليها، لم يفتقر إلى شيء أصلا من حدس وتجربة أو غير ذلك، كقولنا الواحد نصف الإثنين والكل أعظم من الجزء، فإن هذين الحكمين لا يتوقفان إلا على تصور الطرفين، والمراد بتصور الطرفين ما هو مناط الحكم، فإذا حصل هذا التصور لم يتوقف الحكم على شيء آخر أصلا بشرط سلامة الغريزة. وقد تسمى الأوليات بالبديهيات، وهي قسم من المقدمات اليقينية الضرورية.

9 ـ والوجه الثاني هو التنظيم المنطقي للحقائق الاستنتاجية، فالأول بهذا الاعتبار هو الحكم أو الحد الذي نقدمه على غيره في سلسلة الاستنتاج، لوضوحه أكثر من غيره، بل لكونه مبدأ للأحكام الأخرى، فقد يكون الحكم خفيا لخفاء في تصور طرفيه، ولكننا نقدمه على غيره في سلسلة الاستنتاج، لأنه أساس ومبدأ لجميع الأحكام الأخرى.

10 ـ والوجه الثالث هو التحليل فإن الأول هنا هو الذي يطلق على الحد الأخير في التحليل العقلي، فهو أول لأن التحليل لا يكشف لنا عن حد قبله، مثال ذلك : إذا كان مطلوبنا البرهان على قضية من قضايا الهندسة كان التحليل العقلي عبارة عن ربط هذه القضية بقضية أو عدة قضايا أبسط منها، فتكون البسيطة مبدأ، وتكون القضية المبرهن عليها نتيجة لها، ويقوم هذا التحليل على تأليف سلسلة من القضايا أولها القضية المراد إثباتها، وآخرها القضية المعلومة، فإذا سرت من الأولى إلى الأخيرة كانت كل قضية الأولى نفسها نتيجة للقضية الأخيرة وصادقة مثلها. فالقضية المراد إثباتها هي الأولى في الزمان والقضية الأخيرة المعلومة هي الأولى في الترتيب المنطقي.

11 ـ الأول من الناحية النفسية وهو الذي يكون نقطة الابتداء الواقعية في تأليف الحكم أو الاستدلال، أو في النمو التكويني أو التداعي.

12 ـ الأول من الناحية الوجودية أو الفلسفية وهو الذي يكون سبب وجود الشيء وعلته الغائية أو الفاعلة كقولنا : المحرك الأول، أو المبدأ الأول، أو الواجب الوجود بذاته.

13 ـ قال سسه : يقال أن الله أول الموجودات، لأنه أول الحقائق. وكما يقال في ترتيب الأشياء إن كل شيء يجيء من الله، وأنه هو نفسه لا يجيء من شيء، فكذلك ترتيب الأفكار أن جميع المبادئ تستنتج من الله، وأنه هو نفسه مبدأ نفسه.

14 ـ الأول هو المتقدم بالشرف والقيمة، يطلق الأول بالشرف على الأعلى والأهم والأميز، تقول : هذا عقل من الطراز الأول، وهذا الرجل أول الرجال، وهذه المرتبة هي الأولى.

15 ـ قال ابن رشد : يقال الرئيس قبل المرؤوس لكون الرئيس أقوى من المرؤوس، وأعلى مرتبة منه. (تفسير ما بعد الطبيعة الجزء الثاني صفحة 572).

16 ـ فائدة : ذكر ابن رشد في تفسير أقوال أرسطو ستة وجوه للمتقدم والمتأخر: أحدها المتقدم بالزمان، والثاني المتقدم في المرتبة، والثالث المتقدم بالشرف، والرابع المتقدم بالطبع، والخامس المتقدم بالسببية، والسادس المتقدم في المعرفة. 

17 ـ وفي كتاب المقولات لأرسطو إيضاح لكل واحد من هذه الأقسام فليرجه إليه. (انظر أيضا : ابن رشد، كتاب ما بعد الطبيعة، وهو القسم الرابع من تلخيص مقالات أرسطو، صفحة 15، وتفسير ما بعد الطبيعة الجزء الثاني، صفحة 576 و 577 من طبعة بويج). (انظر المعجم الفلسفي لجميل صليبا الجزء الأول صفحة 171).

روابط خارجية حول مفهوم الأول:


ـ الأول (أسماء الله الحسنى) - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة:



تعليقات