زوجات الرسول هن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم جميعا ، وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : " وأزواجه أمهاتهم " ، أي أزواج النبي محرمات على أمته من بعده لأنهن حسب الآية بمنزلة أمهاتهم . وفيما يلي سنتحدث بالتفصيل عن زوجات الرسول وعن عددهم ، وعن فضلهم وسيرتهم العطرة رضوان الله تعالى عليهم .
أولا : كم عدد زوجات الرسول ؟
عدد زوجات الرسول حسب المشهور من الأقوال هو 11 زوجة ، توفيت في حياته صلى الله عليه وسلم اثنتان وهما خديجة رضي الله عنها وقد توفيت قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات وذلك سنة 619 م ، وزينب بنت خزيمة وقد توفيت في السنة الرابعة من الهجرة ، أما أزواجه التسعة الآخرين فقد عاشوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .
وذهب البعض إلى القول بأن النساء اللاتي عقد عليهن ودخل بهن النبي صلى الله عليه وسلم هن 12 امرأة ، وذلك راجع إلى الاختلاف في زوجته مارية القبطية هل كانت ملك يمين أم هي من أزواجه صلى الله عليه وسلم ؟
والمقصود بملك اليمين هو أن الرجل كان يحق له أن يجامع ويعاشر الإماء والجواري التي كانوا يأخذونهم في الحرب بين المسلمين والكفار ، ولكن بشرط أن يستبريء أرحامهن بحيضة واحدة . كما كان يحق للرجل في السابق أن يشتري الجارية ويتمتع بها مثل ما يتمتع بزوجته التي عقد عليها بعقد نكاح صحيح .
لكن نظام ملك اليمين توقف العمل به عندما توقف نظام الرق والعبودية في العالم الإسلامي ؛ وذلك خلال منتصف القرن العشرين .
ثانيا : من هم زوجات الرسول بالترتيب ؟
لقد حوى بيت النبوة أنواعا مختلفة من النساء الفضليات الطاهرات ؛ ففيهن : الشابة ، والأرملة ، والتي فرق بينها وبين زوجها لأنه ترك الإسلام ، والتي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لحكمة تشريعية ، ومنهن من كانت ابنة ليهودي ، ومنهن من جاءت ضيفة من مصر إلى جزيرة العرب ، ونحن سنذكر لك بشكل مختصر زوجات الرسول حسب ترتيب زواجهن بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنبدأ بأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها :
1 ـ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها :
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بخمسة عشر عاما ، وكان عمر النبي حينها 25 سنة وعمر السيدة خديجة 40 عاما . وهي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ) رواه أحمد وصححه الألباني . وتوفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنوات . وهي التي ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم أولاده السبعة إلا ابنه ابراهيم فولدته مارية القبطية .
2 ـ سودة بنت زمعة العامرية رضي الله عنها :
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في السنة العاشرة من البعثة وكان عمره حينا 50 سنة ، وهي ثاني زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها ، وقد قالت فيها عائشة رضي الله عنها : " ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة ". صحيح مسلم . وكانت رضي الله عنها أرملة مسنة ، وتوفيت سنة 54 للهجرة .
3 ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها :
وأما عائشة رضي الله عنها فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شوال في السنة الثانية من الهجرة وكان عمره صلى الله عليه وسلم حينها 54 عاما ، وقد عاشت عائشة رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حوالي 47 عاما وتوفيت رضي الله عنها في سنة 58 من الهجرة . وكانت رضي الله عنها أحب النساء إلى قلبه صلى الله عليه وسلم . وقد روت 2210 حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". وكانت رضي الله عنها أعلم النساء وأكثرهن غيرة على النبي صلى الله عليه وسلم .
4 ـ حفصة بنت الفاروق رضي الله عنها :
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان في السنة الثالثة من الهجرة ، وكان عمره حينها صلى الله عليه وسلم 55 عاما ، " أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة فجاء جبريل فقال لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة " السلسلة الصحيحة للألباني .
توفيت رضي الله عنها في سنة 41 للهجرة . ومن مفاخر حفصة رضي الله عنها أن المصحف في عهد أبي بكر الصديق كان يحفظ في بيت حفصة رضي الله عنها .
5 ـ زينب بنت خزيمة رضي الله عنها :
زينب بنت خزيمة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في السنة الرابعة من الهجرة وكان عمره حينها 56 عاما ، كانت تلقب بأم المساكين لعطفها على الفقراء والضعفاء من المسلمين ، وماتت رضي الله عنها في حياته بعد 8 أشهر من زواجها . وكانت رضي الله عنها أول من دفن بالبقيع من زوجات النبي .
6 ـ أم سلمة رضي الله عنها :
أم سلمة وهي هند بنت أبي أمية المخزومية ، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة للهجرة وكان عمرها حينها 35 عاما ، وكان عمر النبي 56 عاما ، توفيت سنة 61 للهجرة وقد عاشت نحو 90 سنة . وهي آخر زوجات الرسول وفاة .
ومن خصائصها رضي الله عنها أنها رأت جبريل عليه السلام على صورة دحية الكلبي ، قال ابن حجر: وإشارتها على النبي يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها رضي الله عنها .
7 ـ زينب بنت جحش رضي الله عنها :
هي إحدى زوجات الرسول تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة 5 للهجرة ، وكان عمر النبي حينها 57 عاما ، زوجها الله رسوله من فوق سبع سموات ، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم .
وزينب بنت جحش هي التي نزل فيها قول الله تعالى : " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " سورة الأحزاب الآية 37 . فكانت رضي الله عنها تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و تقول : زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات .
وقد روى مسلم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً قالت: فكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق " . وتوفيت رضي الله عنها على أشهر الأقوال في سنة 20 للهجرة . وكانت هي أول أزواجه لحقا به صلى الله عليه وسلم بعد موته .
8 ـ جويرية بنت الحارث الخزاعية رضي الله عنها :
جويرية بنت الحارث ـ والحارث هو زعيم اليهود في بني المصطلق ـ تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة للهجرة وهي بنت 20 سنة ، وكان عمره حينها صلى الله عليه وسلم 57 عاما ، وقد كان اسمها برة وسماها النبي جويرية ، وتوفيت رضي الله عنها سنة 56 للهجرة .
وقد كان زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا وبركة نزلت على قومها أجمعين فأنجاهم ذلك من الرق والأسر .
9 ـ صفية بنت حيي رضي الله عنها :
صفية بنت حيي تزوجها النبي صلى الله عليه بعد هزيمة قومها اليهود وهي ابنة زعيمهم ، وأدخلها في كنفه فكان ذلك رمزا لسعة هذا الدين وبره بغير المسلمين . وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة 7 للهجرة وكانت بنت 17 عاما ، وتوفيت رضي الله عنها سنة 50 للهجرة .
كانت رضي الله عنها من سيدات النساء عبادة وورعا وزهدا وصدقة كما كانت شريفة عاقلة، ذات حسب وجمال، ودين رضي الله عنها وأرضاها .
10 ـ أم حبيبة رضي الله عنها :
أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان تزوجها النبي في السنة 7 للهجرة وقيل في السنة السادسة ، توفيت رضي الله عنها سنة 44 للهجرة .
قال عنها الذهبي : " وهي من بنات عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في أزواجه من هي أكرم نسباً إليه منها ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها، عقد له صلى الله عليه وسلم عليها بالحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربعمائة دينار، وجهزها بأشياء " .
11 ـ ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها :
وهي آخر زوجات الرسول زواجا بالنبي صلى الله عليها وسلم وقد عقد عليها في السنة 7 للهجرة يوم دخول النبي للمكة ، فكان ذلك اليوم ميمونا حلت بركته على الإسلام والمسلمين ، وقد كان اسمها في السابق برة لكن النبي سماها بنفسه ميمونة حيث كان زواجه بها في يوم فتح مكة .
وقد ورد في فضله حديث رواه الحاكم بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأخوات مؤمنات ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأختها أم الفضل بنت الحارث، وأختها سلمة بنت الحارث امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن " .
12 ـ مارية القبطية رضي الله عنها :
مارية القطبية تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة 7 للهجرة ويقال بأنه لم يتزوج بها وإنما كانت تعد من سراياه صلى الله عليه وسلم ، ومعها ولد ابنه ابراهيم ، وكانت آخر زوجاته صلى الله عليه وسلم .
وفي الحديث : " استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لهم نسبا وصهرا " ، النسب من جهة هاجر أم اسماعيل والصهر من جهة مارية زوج النبي صلى الله عليه وسلم . توفيت رضي الله عنها في السنة 16 للهجرة .
ثالثا : الحكمة من تعدد زوجات النبي
سنذكر لكم فيما يلي بعضا من كلام العلماء في حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم :
1 ـ كلام الشيخ الشعرواي في الحكمة من تعدد زوجات النبي :
يقول الشيخ الشعرواي رحمة الله تعالى عليه في إحدى دروسه مبينا الحكمة من تعدد زوجات الرسول دون غيره من رجال أمته : " حينما أراد الله عز وجل أن ينهي التعدد المطلق في الزوجات أنزل يا محمد من معه من أمتك فوق أربع نساء يمسك الأربع ويفارق البقية من النساء ، ورسول الله في هذا الوقت كان عنده 9 نساء لكنه لم يشمله الحكم ، ولكنه قال له في آية ثانية : ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا ) سورة الأحزاب الآية 52 .
فإن ماتوا كلهم في حياته صلى الله عليه وسلم لا يحل له تزوج نساء أخريات بدلا عنهم ، والحكمة في ذلك أن غيره من الرجال إذا طلق امرأة يحق لها أن تتزوج غيره ، أما نساء النبي إذا طلقهم لا يحل لهم أن يتزوجوا غيره لأن زوجات الرسول بالنسبة لبقية رجال أمة سيدنا محمد مثلهم مثل أمهاتهم فهن محرمات على جميع رجال أمة سيدنا محمد ، لذلك لم يأمر الله سيدنا محمد بالاحتفاظ فقط بأربعة نساء وتطليق البقية حتى لا يعيشوا بعد فراق سيدنا محمد بدون رجال " . كان هذا جوهر كلام الشيخ الشعرواي رضي الله عنه ـ في بيان الحكمة من ترك النبي يعدد في زوجاته فوق أربع نساء ـ مع بعض التصرف .
2 ـ كلام الشيخ العريفي في حكمة تعدد زوجات الرسول :
إليك كلام الشيخ العريفي حول حكمة تعدد زوجات الرسول في هذا الفيديو القصير :
3 ـ كلام الشيخ ابن عثيمين في حكمة تعدد زوجات الرسول :
قال الشيخ ابن عثيمين مبينا حكمة تعدد زوجات الرسول : " من نعمة الله عز وجل أن أطلعنا على ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلمه في السر في الليل بواسطة زوجاته رضي الله عنهن وهذا من الحكمة في كثرة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه مات عن تسع نسوة ومن فوائد ذلك أن كل امرأة منهن تأتي بسنة لا يطلع عليها إلا هي " . مقتطف من شرح رياض الصالحين صفحة 340 .
4 ـ كلام الشيخ القرضاوي في حكمة تعدد زوجات الرسول :
يقول الشيخ القرضاوي في إحدى فتاويه مجيبا عن حكمة تعدد زوجات الرسول : " لو بحثنا وراء زواجه منهن، لوجدنا أن هناك حكمة هدف إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- من زواجه بكل واحدة منهن جميعًا. فلم يتزوج لشهوة، ولا للذة، ولا لرغبة دنيوية، ولكن لحكم ولمصالح، وليربط الناس بهذا الدين. وبخاصة أن للمصاهرة وللعصبية قيمة كبيرة في بلاد العرب، ولها تأثير وأهمية. ولذا أراد -عليه الصلاة والسلام- أن يجمع هؤلاء ويرغبهم في الإسلام، ويربطهم بهذا الدين، ويحل مشكلات اجتماعية وإنسانية كثيرة بهذا الزواج ".
خاتمة المقال :
في ختام هذا المقال عن زوجات الرسول رضي الله عنهم لا يسعني إلا أن أقول بأن الحديث عن زوجات النبي فيه الكثير من الدروس والعبر التي يمكننا أن نستخلصها من حياتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد تعلمت بفضل الله من خلال دراستي لسيرتهن كيف أن رسول الله رغم أعباء الرسالة ورغم أعباء الدعوة والجهاد وأعباء الحياة استطاع أن يتعامل مع زوجاته رغم كثرة عددهن بكل لطف ومودة وعدل ورحمة وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، فإن الرجل العادي منا يصعب عليه أن يجمع بين امرأتين فكيف بتسعة نساء .
وفي الختام نسأل الله أن يحشرنا جميعا في زمرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويغفر ذنونبا ويرزقنا حسن الخاتمة اللهم آمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
للمزيد من الاطلاع يمكنك قراءة المقالات التالية :
ـ كتاب فاتتني صلاة ( كتاب يعرفك أسرار الذين يحافظون على الصلاة )
0 تعليقات